بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده ونستغفره ، ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
فإن الدعوة فن يجيده الدعاة الصادقون ، كفن البناء للبناة المهرة ، وفن الصناعة للصناعة الحذاق ، وكان لزاما على الدعاة أن يحملوا هموم الدعوة ، ويجيدوا إيصالها للناس ، لأنهم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم .
ولابد للدعاة أن يدرسوا الدعوة ، لوازمها ، ونتائجها ، وأساليبها ، وما يجد في الدعوة ، وكان لزاما عليهم أن يتقوا الله في الميثاق الذي حملوه من معلم الخير صلى الله عليه وسلم النبي صلي الله عليه وسلم فإنهم ورثة الأنبياء والرسل ، وهم أهل الأمانة الملقاة على عواتقهم
فإذا علم ذلك فإن أي خطأ يرتكبه الداعية فإن ذلك سيؤثر في الأمة ، وسيكون الدعاة هم المسئولون بالدرجة الأولى عما يحدث من خطأ أو يرتكب من فشل ؛ بسبب أنهم هم رواد السفينة التي إذا قادوها إلى بر الأمان نجت بإذن الله .
لذا فإن على الدعاة آدابا لابد أن يتحلوا بها حتى يكونوا رسل هداية ، ومشاعل حق وخير ، يؤدون الرسالة كما أرادها الله .
1ـ الإخلاص في الدعوة :
إن الإخلاص في العمل هو أساس النجاح فيه ، لذا فإن على الدعاة الإخلاص في دعوتهم ، وأن يقصدوا ربهم في عملهم ، وألا يتطلعوا إلى مكاسب دنيوية زائلة إلى حطام فان ، ولسان الواحد منهم يقول : ( مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ)(الفرقان: 57) . (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ)(سـبأ: 47).فلا يطلب الداعي منصبا ، ولا مكانا ، ولا منزلة ، ولا شهرة ، بل يريد بعمله وجه الواحد الأحد . (( خذ كل دنياكم ، واتركوا فؤادي حرا طليقا غريبا ، فإني أعظمكم ثروة ، وإن خلتموني وحيدا سليبا )) .
2ـ تحديد الهدف :
يجب أن يكون هدف الداعية واضحا أمامه ، وهو إقامة الدين وهيمنة الصلاح ، وإنهاء أو تقليص الفساد في العالم ( أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)(هود: 88) .
3ـ التحلي بصفات المجاهدين :
الداعية كالمجاهد في سبيل الله ، فكما أن ذاك على ثغر من الثغور ، فهذا على ثغر من الثغور ، وكما أن المجاهد يقاتل في سبيل أعداء الله ، فهذا يقاتل أعداء الله من الذين يريدون تسيير الشهوات والشبهات ، ، وإغواء الجيل ، وانحطاط الأمة ، وإيقاعها في حماة الرذيلة . ( وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً)(النساء: 27) .
فيجب على الداعية التحلي بما يتحلى به المجاهد ، وأن يصابر الأعداء فيضرب الرقاب . ( حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا )(محمد: 4) .
4ـ طلب العلم النافع :
يلزم الداعية أن يطلب العلم النافع الموروث عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم ، ليدعو على بصيرة ؛ فإن الله قال في محكم تنزيله : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108).
قال مجاهد (( البصيرة : أي العلم )) ، وقال غيره : (( البصيرة : أي الحكمة )) .. وقال آخر : (( البصيرة : التوحيد )) .
والحقيقة أن المعاني الثلاثة متداخلة ، ولابد للداعي أن يكون موحد للواحد الأحد ، لا يخاف إلا من الله ، ولا يرجو إلا الله ، ولا يرهب إلا الله ، ولا يكون أحد أشد حبا له من الله ـ عز وجل .
ولابد أن يكون ذا علم نافع ، وهو علم قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليدعو الناس على بصيرة ، فيحفظ كتاب الله أو ما تيسير من كتاب الله ـ عز وجل ـ ويعنى بالأحاديث عناية فائقة فيخرجها ، ويصح المصحح منها ، ويضعف الضعيف حتى يثق الناس بعلمه النبي صلي الله عليه وسلم ويعلم الناس أن يحترم أفكارهم ، وأن يحترم حضورهم ، فيجب أن الجمهور بأن يحضر لهم علما نافعا ، جديد بناء ، مرسوما على منهج أهل السنة والجماعة .
كذلك علي الداعية أن يكون حريصاً علي أوقاته في حله وترحاله، في إقامته وسفره، في مجالسه، فيناقش المسائل النبي صلي الله عليه وسلم ويبحث مع طلبة العلم، ويحترم الكبير، ويستفيد من ذوي العلم، ومن ذوي التجربة والعقل.
إذا فعل ذلك سدد الله سهامه، ونفع بكلامه، وأقام حجته، وأقام برهانه.
5- ألا يعيش المثاليات:
ومما ينبغي علي الداعية ألا يعيش المثاليات، وأن يعلم أنه مقصر، وان الناس مقصرون، قال سبحانه وتعالي( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ و)(النور: الآية21) . فهو الكامل ت سبحانه وتعاليـ وحده، والنقص لنا، ذهب الله بالكمال، وأبقي كل نقص لذلك الإنسان، فما دام أن الإنسان خلق من نقص فعلي الداعية أن يتعامل معه علي هذا الاعتبار سواء كانوا رجالاً أو شباباً أو نساء، قال سبحانه وتعالي: ) إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ)(لنجم: الآية32).
فما دام الله قد أنشأكم من الأرض ، من الطين، من التراب، فأنتم ناقصون لا محالة، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يتعامل مع الناس علي أنهم ناقصون، وعلي أنهم مقصرون، يري المقصر منهم فيعينه ويساعده ويشجعه، ويأخذ بيده إلي الطريق.
والداعية الذي يعيش المثاليات لا يصلح للناس، فإنه يتصور في الخيال أن الناس ملائكة، الخلاف بينهم وبين الملائكة الأكل والشرب!!وهذا خطأ ، خاصة في مثل القرن الخامس عشر الذي لا يوجد فيه محمد صلي الله عليه وسلم ولا الصحابة الأخيار ، وقل أهل العلم، وكثرت الشبهات، وانحدرت علينا البدع من كل مكان ، وأغرقنا بالشبهات، ،وحاربتنا وسائل مدروسة، درست في مجالس عالمية وراءها الصهيونية العالمية وأذنابها!!
فحق علي العالم، وحق علي الداعية أن يتعامل مع هذا الجيل ويتوقع منه الخطأ، ويعلم أن الإنسان سوف يحيد عن الطريق؛ فلا يعيش المثاليات .
6- عدم اليأس من رحمة الله:
يجب علي الداعية ألا يغضب إن طرح عليه شباب مشكلة، وأنه وقع في معصية، فقد أتي الرسول صلي الله عليه وسلم برجل شرب الخمر وهو من الصحابة أكثر من خمسين مرة!!
ثبت هذا في الصحيح، فلما أتي به ليقام عليه الحد، قال بعض الصحابة: أخزه الله، ما أكثر ما يؤتي به! فغضب عليه الصلاة والسلام، وقال للرجل: (( لا تقل ذلك لا تعن الشيطان عليه، والذي نفسي بيده، ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله)).
فما احسن الحكمة، وما أعظم التوجيه!!
لذلك نقول دائماً: لا تيأس من الناس مهما بدرت منهم المعاصي والمخالفات والأخطاء، واعتبر أنهم أمل هذه الأمة، وأنهم في يوم من الأيام سوف تفتح لهم أبواب التوبة، وسوف تراهم صادقين مخلصين، تائبين متوضئين.
وينبغي علي الداعية ألا ييأس من استجابة الناس، بل عليه أن يصبر ويثابر، ويسأل الله لهم الهداية في السجود، ولا يستعجل عليهم، فإن رسولنا صلي الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاثة عشرة سنة يدعو إلي (( لا إله إلا الله))، فلم ييأس مع كثرة الإيذاء!! ومع كثرة السب!! ومع كثرة الشتم!! واعلم أن ما يتعرض له من صعوبات لا يقارن بما تعرض له النبي صلي الله عليه وسلم ، مع ذلك صبر وتحمل كل ذلك ولم يغضب، حتى أتاه ملك الجبال! فقال له: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثتي ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال له رسول صلي الله عليه وسلم : ((بل أرجو أن يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً)).
فأخرج الله من أصلاب الكفرة القادة ، فمن صلب الوليد بن المغيرة: خالد بن الوليد، ومن صلب أبي جهل: عكرمة بن أبي جهل.
فما احسن الطريقة، وما أحسن ألا يياس الداعية؛ وأن يعلم أن العاصي قد يتحول بعد عصيانه إلي إمام مسجد! أو إلي خطيب ! أو إلي عالم!
من الذي ما أساء قط؟! ومن له الحسنى فقط؟!
ومن ذا الذي تـرضي سجــاياه كلهـــا
كفي المرء نبلاً أن تعد معايبه!
تــريد مهـذبــاً لا عيــــب فيه
وهــل عود يفوح بلا دخـان؟!
هذا لا يصلح علي منهج الكتاب والسنة.
فلا تقنط من رحمة الله فإن رحمة الله وسعت كل شي، وهو الرحمن الرحيم، الذي يقول في الحديث القدسي الذي رواه أحمد والترمزي بسند حسن : (( يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم ، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بها مغفرة)).
وعلي الداعية ألا ييأس من المدعوين بسبب معاصيهم وإنما عليه أن يعايش الجميع، الكبير والصغير، الصالح والطالح، المطيع والعاصى ، ولتعلم أن هذا العاصي قد يكون في يوم الأيام من رجال الدعوة ، وقد يكون من أولياء الله ، فلا تيأس، وعليك أن تتدرج معه، وأن تأخذ بيده رويداً رويداً، وألا تجابهه، وألا تقاطعه.
جاء وفد ثقيف إلي الرسول صلي الله عليه وسلم فدعاهم إلي الدين فقالوا. نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله ، ولكن أما الصلاة فلا نصلي! وأما الزكاة فلا تزكي! ولا نجاهد في سيبل الله!!
فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (( أما الصلاة، فلا خير في دين لا صلاة فيه)) وأما الصدقة والجهاد فقد قال صلي الله عليه وسلم بعد ذلك: (( ستصدقون ويجاهدون إذا اسلموا)).
فاسلموا ، فأدخل الله الإيمان في قلوبهم، فصلوا وزكوا وجاهدوا، وقتل بعضهم وراء نهر سيحون وجيحون في سبيل الله! وقتل بعضهم في قندهار.
فلا ييأس الإنسان من دعوة الناس إلي سبيل الله سبحانه وتعالي، وليعلم أنهم في مرحلة من المراحل سوف يهتدون وسوف يعودون إلي الله سبحانه وتعالي.
فلا تقنط شارب الخمر من توبته إلي الله، ولا تقنط السارق ولا الزاني، ولا القاتل ، بل حبببهم إلي الهداية، وقل لهم هناك رب رحيم، يقول في محكم التنزيل: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135) .
قال علي رضي الله عنه وأرضاه: (( الحكم من لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يورطهم في معصية الله)).
ومن آداب الداعية كذلك ألا يهون علي الناس المعاصي ، بل يخوفهم من الواحد الأحد، فيكون في دعوته وسطاً بين الخوف والرجاء، فإن بعض الدعاة قد يتساهل مع بعض الناس في المعاصي! كلما ارتكبت كبيرة قال: (( سهلة))! وكلما أتى بأخطاء قال: (( أمرها بسيط))!
أفلا يعلم أن هناك رباً يغضب إذا انتهكت حدوده؟! وأن هناك سلطاناً عظيماً علي العرش استوي، لا يرضى أن تنتهك محارمه، وقد صح في الحديث الصحيح أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال: (( تعجبون من غيرة سعد؟ والذي نفسي بيده، إني أغير من سعد، وإن الله أغير مني)).
وقد ورد من صفاته ـ سبحانه وتعالي ـ كما في الصحيح من حديث ابن مسعود : (( إن الله غيور ، ومن غيرته سبحانه وتعالي أنه يغار علي عبده المؤمن أن يزني ، وعلي أمته المؤمنة أن تزني)).
7- عدم الهجوم علي الأشخاص بأسمائهم:
من مواصفات الداعية ألا يهاجم الأشخاص بأسمائهم، فلا ينبذهم علي المنابر بأسمائهم أمام الناس، بل يفعل كما فعل الرسول صلي الله عليه وسلم ويقول : (( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا)). فيعرف صاحب الخطأ خطأه ولكن لا يشهر به.
أما إن كان هناك رجل جاهر الله بكتاباته أو بانحرافه أو بأدبه أو ببدعته، أو بدعوته إلي المجون ن فهذا لا باس أن يشهر به عند أهل العلم، حتى يبين خطره، فقد شهر أهل العلم بالجهم بن صفوان، وقال ابن المبارك في الجهم: هذا المجرم الذي قاد الأمة إلي الهاوي، وابتدع بدعة في الدين قال: عجبت لدجال دعا الناس إلي النار. واشتق اسمه من جهنم، وشهروا كذلك بالجعد بن درهم، وكتبوا أسماءهم في كتب الحديث، وحذروا الناس منهم في المجالس العامة والخاصة، فمثل هؤلاء يشهر بهم، أما الذين يتكتم علي أسمائهم فهم أناس أرادوا الخير فأخطأوا ، وأناس زلت بهم أقدامهم، وأناس أساءوا في مرحلة من المراحل، فهؤلاء لا تحاول أن تظهر أسماءهم في قائمة سوداء فقد يغريهم هذا إلي التمادي في الخطأ، وقد تأخذهم العزة بالإثم!
8- الداعية لا يزكي نفسه عند الناس:
علي الداعية ألا يزكي نفسه عند الناس، بل يعرف أنه مقصر مهما فعل ، ويحمد ربه سبحانه وتعالي أن جعله متحدثاً إلي الناس ، مبلغاً عن رسوله صلي الله عليه وسلم ، فيشكر الله علي هذه النعمة، فإن الله قال لرسوله صلي الله عليه وسلم : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ )(النور: الآية21). وقال له في آخر المطاف بعد أن أدى الرسالة كاملة: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) (النصر:1-3)).
*قال أهل العلم: أمره أن يستغفر الله.
فلا يأتي الداعية فيزكي نفسه، ويقول : أنا آمركم دائماً وتصونني! وأنهاكم ولا تمتثلوا نهيي! وأنا دائماً ألاحظ عليكم.. وأنا دائماً أري، وأنا دائماً أيقول، أو أنا دائماً أحدث نفسي إلي متي تعصي هذه الأمة ربها ؟!
فيخرج نفسه من اللوم والعقاب ، وكأنه برئ!! فهاذ خطأ. بل يجعل الذنب واحداً ، والتقصير واحداً ، فيقول لهم: وقعنا كلنا في هذه المسألة، وأخطانا كلنا، والواجب علينا كلنا ، حتى لا يخرج نفسه من اللوم والعتاب ، فما نحن إلا أسرة واحدة، فربما يكون من الجالسين من هو أزكي من الداعية، ون هو أحب إلي الله، وأقرب إليه منه.
9- عدم الإحباط من كثرة الفساد والمفسدين:
فينبغي ألا يصاب الداعية بالإحباط، وألا يصاب بخيبة أمل، وهو يري الألوف تتجه إلي اللهو ، وإلي اللغو، والقلة القليلة تتجه غلي الدروس والمحاضرات، فهذه سنة الله في خلقه: ) وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)(الأحزاب: الآية62) .
فإن الله ذكر في محكم تنزيله أن أهل المعصية أكثر، وأن الضلال أكثر، وأن المفسدين في الأرض أكثر، فقال : ) وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)(سـبأ: الآية13) وقال: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)(الأنعام: الآية116) وقال سبحانه وتعالي: )وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف:103) وقال : ) أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(يونس: الآية99) وقال: )لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية:22) ) لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)(الأنعام: الآية66) ) إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغ)(الشورى: الآية48). فنحن لا نملك سوطاً ولا عصي، ولا عذاباً ولا حبساً، إنما نملك حباً ودعوة وبسمة نقود الناس بها غلي جنة عرضها السموات والأرض ، فإن استجابوا حمدنا الله، وإن لم يستجيبوا ورفضوا أوكلنا أمرهم لله الذي يحاسبهم ـ سبحانه وتعالي.
قال بعض العلماء: (( الكفار في الأرض اكثر من المسلمين ، وأهل البدعة أكثر من أهل السنة، والمخلصون من أهل السنة اقل من غير المخلصين)).
ومن صفات الداعية أيضاً أنه يعيش واقع الناس ويقرأ حياتهم ويتعرف علي أخبارهم، وقال ـ سبحانه وتعالي ـ لرسوله صلي الله عليه وسلم : )وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام:55) .
ومن حكمة الله ـ سبحانه وتعالي ـ أنه أحيا رسوله أربعين سنة في مكة، عاش في شعاب مكة، وفي أودية مكة، عرف مساربها ومداخلها، عرف الأطروحات التي وقعت في مكة، وعرف بيوت أهل مكة، واعترض الكفار. وقالوا: ) لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَك)(الأنعام: الآية
. فالله ـ سبحانه وتعالي ـ ذكر أنه لابد أن يكون بشراً ، يعيش آمال الناس، ويعيش هموم الناس ومشكلاتهم، ويعرف احتياجاتهم.
فحق علي الداعية أن يقرأ واقعه، ويستفيد من مجتمعه، وأن يعرف ماذا يدور في البلد؟ وماذا يقال؟ وما هي القضايا المطروحة؟ ويتعرف حتى علي الباعة، وعلي أصناف التجار، وعلي الفلاحين، وعلي طبقات الناس، وأن يلوح بطرفه في الأماكن ، وفي مجامع الناس، وفي الأسواق ، وفي المحلات، وفي الجامعات، وفي الأندية، حتى يكون صاحب خلفية قوية، يتكلم عن واقع يعرفه.
لذا جعل أهل العلم من لوازم الداعية إذا أتي إلي بلد أن يقرأ تاريخ هذا البلد، وكان بعض العلماء إذا سافروا إلي الخارج يأخذون مذكرات عن البلد، وعن تاريخه، وعن جغرافيته، وعن متنزهاته، ويتعرفون علي طبيعة أهله، وكيف يعيشون وماذا يحبون، وماذا يكرهون؟! ويتعرفون علي كيفية التربية في هذا البلد. حتى يتكلموا عن بصيرة.
10- عدم المزايدة علي كتاب الله:
فإن بعض الوعاظ والدعاة يحملهم الإشفاق والغيرة علي الدين علي أن يزيدوا عليه ما ليس فيه، فتجدهم إذا تكلموا عن معصية جعلوا عقابها أكثر مما جعله الله ـ عز وجل ـ حتى إن من يريد أن ينهي عن الدخان وعن شربه يقول مثلاً : (( يا عباد الله، إن من شرب الدخان حرم الله عليه الجنة، وكان جزاؤه جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً))!!
هذا خطأ، لأن هناك موازين في الشريعة.. هناك شرك يخرج عن الملة. وهناك كبائر، وهناك صغائر، وهناك مباحات. قد جعل الله لكل شئ قدراً.
فوضع الندي في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السف في موضع الندي
فعلي الداعي ألا يهول علي الناس في جانب العقاب، كما عليه ألا يهول عليهم في جانب الحسنات كأن يستشهد بالحديث ـ وهو ضعيف ـ الذي يقول: (( صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بلا سواك)). وحديث ـ وهو باطل ـ : (( من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله بني الله له سبعين قصراً في الجنة، في كل قصر سبعون حورية ، علي كل حورية سبعون وصيفاً، ويبقي سبعين من صلاة العصر إلي صلاة المغرب…))!
فالتهويل ليس بصحيح، بل يكون الإنسان متوناً في عباراته، يعرف أنه يوقع عن رب العالمين، وينقل عن معلم الخير صلي الله عليه وسلم.
11- عدم الاستدلال بالأحاديث الموضوعة:
علي الداعية ألا يستدل بحديث موضوع إلا علي سبيل البيان، ويعلم أن السنة ممحصة ومنقاة، وأنها معروضة ولذلك لما أوتي بالمصلوب ـ هذا المجرم الذي وضع أربعة آلاف حديث علي محمد صلي الله عليه وسلم كذباً وزوراً ـ إلي هارون الرشيد ليقتله، فسل هارون الرشيد السيف، قال هذا المجرم اقتلني أو لا تقتلني، والله لقد وضعت علي أمة محمد أربعة آلاف حديث!!
فقال هارون الرشيد ( ما عليك يا عدو الله يتصدى لها الجهابذة يزيفونها، ويخرجونها كابن المبارك، وأبي إسحاق المزوري)) فما مر ثلاثة أيام إلا نقاها عبد الله بن المبارك وأخرجها، وبين أنها موضوعة جميعا.
فالأحاديث الموضوعة ـ ولله الحمد ـ مبينة ، ونحذر الدعاة من أن يذكروا للناس حديثاً موضوعاً ، ولو قالوا إنه في مصلحة الدعوة إلي الله، فالمصلحة كل المصلحة فيما ورد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم صحيحاً، لا في الأحاديث الباطلة كحديث علقمة وما واجه مع أمه، وحديث ثعلبة والزكاة، وكأحاديث أخر بواطل، لا يصح الاستشهاد بها؛ لأن ضررها علي الأمة عظيم، وأثرها علي الأمة سقيم، لكن يجوز للداعية أن يبين للناس في محاضرة أو درس أو خطبة الأحاديث الموضوعة حتى يتعرف الناس عليها.
أما الأحاديث الضعيفة فلها شروط ثلاثة للاستدلال بها:
الشرط الأول: ألا يكون ضعيفاً شديد الضعف.
الشرط الثاني: أن تكون القواعد الكلية في الشريعة تسانده وتؤيده.
الشرط الثالث: ألا يكون في الأحكام بل يكون في فضائل الأعمال.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن الإمام احمد أنه قال : (( إذا أتي الحلال والحرام تشددنا، وإذا أتت الفضائل تساهلنا)) وهذا كلام جيد ، ولو أنه غير مجمع عليه.
12- عدم القدح في الهيئات والمؤسسات والجمعيات والجماعات باسمائها:
وما يجب علي الداعية إلا يقدح في الهيئات ولا المؤسسات بذكر أسمائها، وكذلك الجمعيات والجماعات وغيرها.. لكن عليه أن يبين المنهج الحق، ويبين الباطل، فيعرف صاحب الحق أنه محق، ويعرف صاحب الباطل أنه مخطئ، لأنه إذا تعرض للشعوب جملة، أو للقبائل بأسمائهم أو للجمعيات، أو للمؤسسات، أو للشركات، أتي الآلاف من هؤلاء فنفروا منه، وما استجابوا له.. وتركوا دعوته، وهذا خطأ.
وفي الأدب المفرد مما يروي عنه صلي الله عليه وسلم : (( أن من أفري الفرى أن يهجو الشاعر القبيلة بأسرها))، وهذا خطأ ، فإن من يقول قبيلة كذا كلهم فسدة وفسقة مخطئ! لأنه ما صدق في ذلك فالتعميم عرضة للخطأ.
ولابد أن يكون الداعي لبقاً في اختيار عباراته حتى يكسب القلوب، ولا يثير عليه الشعب، فإن الناس يغضبون لقبائلهم، ويغضبون لشعوبهم، ويغضبون لشركاتهم، ويغضبون لمؤسساتهم، ويغضبون لجمعياتهم.. فليتنبه لهذا، وعليه ألا يظهر بهالة المستعلي علي جمهوره، وعلي أصحابه وعلي أحبابه ، وعلي إخوانه، وعلي المدعوين، كأن يقول ـ مثلاً ـ : أنا قلت ، وفعلت، وكتبت، وراسلت، وغضبت، وألفت! فإن (( أنا)) من الكلمات التي استخدمها إبليس.
يقول ابن القيم رحمه الله: (( وليحذر كل الحذر من طغيان كلمات: أنا، ولي، وعندي، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون، قال إبليس: ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(لأعراف: الآية12) وقال فرعون: ) أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْر)(الزخرف: من الآية51) وقال قارون (َ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي )(القصص: الآية78) .
فاجتنب أنا، واجتنب لي، واجتنب عندي.. ولكن تصلح (( أنا)) في مثل : أنا مقصر، كما اقل شيخ الإسلام ـ رحمه الله :
أنا الفقير إلي رب البريــــات
أنا المسيكين في مجموع حالاتي
مدح أحد الناس ابن تيمه فقال:
أنا المكـــدي وابن المكـــدي
وهكذا كان أبي وجـــدي
فقال: أنا مذنب وأبي مذنب! وجدي مذنب! إلي آدم عليه السلام.
*فواجب علي الداعية أن يظهر دائماً بالتواضع، وأن يلتمس الستر من إخوانه، وأن يبادلهم الشعور، وأن يطلب منهم المشورة والاقتراح، وأن يعلم أن فيهم من هو أعلم منه، وأفصح منه، وأصلح منه.
قال بعض السلف: (( الساكت ينتظر الأجر من الله، والمتكلم ينتظر المقت، فإن المتكلم تخطيء)).
13- أن يجعل الداعية لكل شيء قدراً:
لا ينبغي للداعية أن يعطي المسألة أكبر من حجمها ، فالدين مؤسس، والدين مفروغ منه: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً )(المائدة: الآية3) .
فلا يعطي الداعية المسائل أكبر من حجمها، وكذلك لا يصغر المسائل الكبرى أو يهونها عند الناس.. ومن الأمثلة علي ذلك:
أن بعض الدعاة يعطي مسألة إعفاء اللحية أكبر من حجمها حتى كأنها التوحيد الذي يخلد به الناس أو يدخل الناس به الجنة، ويدخل الناس بحلقها النار ويخلدون فيها! مع العلم أنها من السنن الواجبات، ومن حلقها فقد أرتكب محرماً، لكن لا تأخذ حجماً أكبر من حجمها ، وكذلك مسألة إسبال الثياب، والأكل باليسرى ، وغيرها من المسائل. لا يتركها الداعية أو يقول إنها قشور فيخطئ ، ولا يعطيها اكبر من حجمها، فقد جعل الله لكل شي قدراً.
والحر ميزان ، فعليه أن يفعل كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم ، فقد تكلم عن التوحيد في جل أحاديثه ومجالسه، وأعطي المسائل حجمها حتى لا يصاب الناس بإحباط.
فإن التربية الموجهة أن تصف له المسالة السهلة فتكبرها عنده، وتصغر له المسالة الكبرى.
أحياناً يصغر بعض الناس من مسألة السحر، واستخدام السحر، ويقول هو ذنب، مع العلم أنه عند كثير من أهل العلم مخرج من الملة، وحد الساحر ضربه بالسيف، ومع ذلك تجد بعض الدعاة يصغر من مسألة السحر!
وأحياناً يصغر بعض الدعاة كذلك من شأن الحداثة، والهجوم علي الإسلام في بعض الصحف والمجلات والجرائد، ويقول: هذا ممكن، هذا أمر محتمل، المسألة سهلة ويسيرة!! إلي غير ذلك من الأمور.
14- اللين في الخطاب والشفقة في النصح:
علي الداعية أن يكون ليناً في الخطاب، فقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم لين الكلام بشوش الوجه، وكان صلي الله عليه وسلم متواضعاً محبباً إلي الكبير والصغير، يقف مع العجوز ويقضي غرضهن ويأخذ الطفل ويحمله، ويذهب إلي المريض ويعوده، ويقف مع الفقير، ويتحمل جفاء الإعرابي، ويرحب بالضيف، وكان إذا صافح شخصاً لا يخله يده من يده حتى يكون الذي يصافحه هو الذي يخلع، وكان إذا وقف مع شخص لا يعطيه ظهره حتى ينتهي من حديثه، وكان دائم البسمة في وجوه أصحابه صلي الله عليه وسلم لا يقابل أحد بسوء )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك)(آل عمران: الآية159) فإذا فعل الإنسان ذلك كان أحب إلي الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة!
ويرسل الله موسى وهارون عليهما السلام إلي فرعون أطغي الطواغيت، ويأمرهما باللين معه فيقول: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طـه:44) .
فالقول اللين سحر حلال، قيل لبعض أهل العلم: ما هو السحر الحلال؟ قال: (( تبسمك في وجوه الرجال)). وقال أحدهم يصف الدعاة الأخيار من أمة محمد صلي الله عليه وسلم : (( حنينون، لينون، أيسار بني يسر، تقول لقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري)).
فأدعو الدعاة إلي لين الخطاب، وألا يظهروا للناس التزمت ولا الغضب ، ولا الفظاظة في الأقوال والأفعال ، ولا يأخذوا الناس أخذ الجبابرة، فإنهم حكماء معلمون أتوا رحمة للناس. )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) .
فالرسول صلي الله عليه وسلم رحمة، واتباعه رحمة، وتلاميذه رحمة، والدعاة غلي منهج الله رحمة، وعلي الداعية كذلك أن يثني علي أهل الخير، وأن يشاور إخوانه فلا يستبد برأيه. والله ـ سبحانه وتعالي ـ يقول : ) وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)(آل عمران: الآية159) ويقول: ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)(الشورى: الآية38).
فيشاور طلابه في الفصل، ويشاور إخوانه، ويشاور أهل الخير ممن هم اكبر منه سناً، ويشاور أهل الدين، ولا بأس أن يعرض عليهم حتى المسائل الخاصة كي يثقوا به، ويخلصوا له النصح ، ويكونوا علي قرب منه، ويشاور أهل الحي، وأهل الحارة، فإن الرسول صلي الله عليه وسلم جلب حب الناس بسبب المشاورة، فكان يشاورهم حتى في المسائل العظيمة التي تلم بالأمة ، كنزوله في يوم بدر، ومشاورته لصحابه في الأسري ، ونحو ذلك من الغنائم وأمثالها من القضايا الكبرى.
*فعلي الداعية أن يشاور المجتمع ولا بأس أن يكتب لهم بطاقات، وأن يطلب آراءهم ، وإذا وجد مجموعة منهم يقول: ما رأيكم يا إخوة في كذا، وكذا.. فإن رأي الاثنين أفضل من رأي الواحد، ورأي الثلاثة افضل من رأي الاثنين ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )(آل عمران: الآية159).
15- حسن التعامل مع الناس وحفظ قدرهم:
فعلي الداعية أن يثني علي أهل الخير، ويشكر من قدم له معروفاً ، فإن الداعية إذا أثني علي أهل الخير عرفوا أنه يعرف قدرهم، وأنه يعرف الجميل، أما أن تترك صاحب الجميل بلا شكر والمخطئ بلا إدانة وبلا تنبيه، فكأنك ما فعلت شيئاً!
لابد أن تقول للمحسن أحسنت، وللمسيء أسأتن لكن بأدب ، فكبار السن يحبون منك أن تحتفل بهم، وأن تعرف أن لهم حق سن الشيخوخة، وأنهم سبقوك في الطاعة، وأنهم اسلموا قبلك بسنوات، فتعرف لهم قدرهم.
وكذلك العلماء والقضاة ، وأعيان الناس، وشيوخ القبائل.. ونحو ذلك من أهل العلم والفضل، وأهل المواهب كالشعراء الإسلاميين، والكتاب الإسلاميين، ومن لهم بلاء حسن ، والتجار الذين ينفقون في سبيل الله.. فتظهر لهم المنزلة وتشكرهم علي ما قدموا حتى تحيي في قلوبهم هذا الفعل الخير، كما كان النبي صلي الله عليه وسلم يقول علي المنبر: (( غفر الله لعثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر)). (( ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم))، وكان يقول : (( دعوا لي أصحابي)) يعني أبا بكر الصديق، وكان صلي الله عليه وسلم يشكر عمر، ويخبر ما رأي عمر، وكان يثني علي هذا، ويمدح هذا، ويشكر هذا، فإن هذه من أساليب التربية، وليست من التملك في شيء.